قصص عامة

 
 
 

خاروف العم صابر

 
 
 

أخبرني العم صابر يوماً لما سألته عن سرّ خروفه الصغير الذي يحتفظ به على شرفة منزله، أنْ ليس للخروف سرّ ولا جهر.. فقد اشتراه ليطعمه ويسمّنه بيديه، انتظاراً لعيد الأضحى المبارك بعد أيام..
وكعادة العم صابر _ وهو أستاذ للغة العربية في مدرستي القريبة من حينا لا يحب أنْ نناديه بالأستاذ بل بالعم صابر _ فإنّه يسترسل في الحديث ليصله باللغة العربية..
فقال العم صابر: إنّ الخروف الذكر من الضأن هو الحَمَل، وإنّ الوداعة صفة لازمة للخروف..
ثم توقف العم صابر عن الكلام.. وقبل أن أبادره بسؤال قال: هناك _ يا صديقي الصغير _ مثلٌ جميل يصف من يعيش في رفاهية بأنّه (كالخروف، أينما اتَّكأ اتَّكَأ على صوف)..
وسألت العم صابر قبل أن يتابع كلامه عن جمع كلمة خروف، فقال لي: جمعه: خِرافٌ وأَخْرِفَةٌ وخِرْفان...
فصرتُ أضحك وأقول: كيف تجمع كلمة خروف على كل هذه الكلمات؟؟!..
فقال مبستماً معلماً كعادته: يا حبيبي! إنّ لغتنا العربية جميلة وواسعة.. وفيها كلمات كثيرة، علينا أن نتعلمها ونعلمها للآخرين..
سررت من حديث معلمي الذي أحبّه.. وقلت له: وماذا يعني لك خروف العيد يا عمي صابر؟
فقال العم صابر: سأروي لك يا حبيبي قصة حقيقية حدثت في أحد البلاد منذ فترة طويلة.. وهي من القصص المشهورة.. وهذه القصة تقول إنّ رجلاً ذهب إلى السوق ليشتري خروف العيد، وعندما عاد به هرب الخروف منه ودخل أحد البيوت ليقابله أطفال البيت بالفرح والتهليل، وكانوا يصيحون فرحين: أمي.. أمي.. تعالي بسرعة.. لقد جاءنا خروف العيد.. لقد جاء خروف العيد.. وتتنهد الأم الفقيرة التي توفي عنها زوجها وأطفالها صغار قائلة: إنّ الذي سيشتري لكم خروف العيد تحت التراب!! تقصد أباهم زوجها..
واقترب الرجل دون أن يدخل وسمع الأطفال كما سمع أمهم تطلب منهم بأن يساعدوا صاحب الخروف على إخراج خروفه من بيتهم، لكن الرجل رفع صوته قائلاً للمرأة يا أم اليتامى.. الخروف وصل لأهله..
وانصرف الرجل دون أن ينتظر رداً.. وعاد إلى بيته ليأخذ مبلغاً زهيداً هو كل ما تبقى معه، كان يحتفظ به من أجل كسوة العيد لأولاده.. أخذه ليشتري به خروفاً بدل الأول، لأنّه كان قد وعد أبناءه الصغار بأنه سيذبح أضحية هذا العيد..
وفي لحظة وصول الرجل إلى السوق للمرة الثانية وصلت عربة مليئة بالخرفان.. فبادر الرجل بسؤال البائع عن سعر الخروف؟

 

  فأجابه البائع بأن ينتظر حتى يتم إنزال الخرفان من العربه.. ليختار منها ما يشاء..
وعندما نزلت الخرفان إلى الأرض اختار الرجل أحدها وسأل عن الثمن.. فقال البائع: هذا خروف غالي جداً.. هل أنت واثق من أنّك تملك مالاً كافياً.. فقال الرجل: اليوم يوم عيد.. وأريد أجود الخراف.. وعسى أن يكفي مالي الذي معي..
فضحك البائع وقال: مبارك عيدك يا رجل.. وتقبل الله ذبيحتك.. فهذا أجود الخرفان التي عندي.. وقد اخترت أفضلها وأغلاها ثمناً.. وهو هدية لك..
لم يصدق الرجل ما يسمع.. وقال للبائع: أتستهزئ بي يا أخي؟
فقال البائع: معاذ الله.. خذ هذا الخروف هدية لك.. هو من نصيبك دون ثمن رزق ساقه الله إليك..
فوقف الرجل حائراً مندهشاً...
فقال البائع: لا تستغرب يا أخي.. إنّ أبي هو صاحب كل هذه الخرفان.. وقد أوصاني بأنْ أهدي أول خروف يتم اختياره من المشترين دون مقابل هدية منه في هذا العيد المبارك.. صدقة لوجه الله تعالى..
فتأمّلت وجه العم صابر وقد امتلأت عيناه بالدموع.. متأثراً بهذه القصة الرائعة.. ثم قال بصوت هادئ رصين: وهكذا يا بني رزق الله العائلتين بعيدين.. والأجر للجميع.. ونسأل الله تعالى أنْ يهب لنا مثلهم.. ويجعل لنا من كل ضيق مخرجاً..
ثم قال متنهداً: الله.. كم هو رائع هذا العمل النبيل..
فقلت له: ما أطيب قلبك يا معلمي!
فقال العم صابر: المعلم يا بني يتعلّم أيضاً...
فقلت له مسروراً: في صباح العيد سآتي لأشهد ذبح الخروف..
ضحك العم صابر وقال: سنذبحه عند جزار الحي بعد صلاة العيد.. موعدنا أنا وأنت والخروف هناك؟
بعد ذلك عدت إلى البيت مسرعاً أبحث في الإنترنت عن قصة تحكي عن الخروف.. فوجدت هذه القصة الجميلة المعبّرة.. فجلست أقرؤها:
(تَأخَرَّ خروفٌ عَن الرّاعي، فَهَجَمَ عَلْيه ذِئْبٌ لِيأكُلَه، فَقال لَه الخَروف: إنَّ صاحِبي أَرْسَلَني إليْكَ لِتَأْكُلَني، وَلكنِّه أَمَرني أن أُغنّي لك قبْلَ ذَلِكَ، فَقَال له الذِئْب: هَل صَوْتُكَ حَسَن؟
قالَ: نَعَم، إنَّ صَوْتي يُفرِحُ الحزينَ، وَيُطرِبُ السّامعينَ.
فقَالَ لَه الذِئْب: إذاً غَنّ وارْفَع صَوْتَك.
فَرَفَعَ الخَروفَ صَوْتَه حتى َسَمِعَه الرَّاعي من بعيد، وأقْبَلَ وفي يَدْهْ عَصا طَويلَة، فَلّما رَأى الذِئْب الرّاعي خافَ وفرَّ هارِباً، وَبِهَذه الْحيلَة نجا الْخَروف مِن الذِئْب).

ثم كررت البحث فوجدت قصصاً كثيرة..
وبعد ذلك قضيت أياماً أبحث وأقرأ وأتعلم أشياء كثيرة عن الخرفان وحياتها وقصصها الجميلة.. وعندما جاء يوم العيد، وبعد صلاة العيد وتهنئة الأسرة بالمناسبة والجيران وأبناء الحي.. استأذنت أبي لأذهب وأشاهد ذبيحة العم صابر.. وكان العم صابر بانتظار دوره عند جزار الحي.. وبعد ذبح الخروف.. قام الجزار بتقطيعه إلى أجزاء.. وكان مع العم صابر أكياس كثيرة وعربة صغيرة.. وضع فيها الأكياس بعد أن وضع أجزاء الأضحية في داخلها ثم قال لي: هيا جرّ العربة....
وصار العم يتنقل من بيت إلى بيت يوزع اللحم على فقراء الحي.. ثمّ اهداني كيساً.. وقال: هذا هدية الأصدقاء.. ففرحت بها.. وصرت أقفز مسرعاً إلى البيت.. وحكيت لأبي وأمي وإخواتي قصة العم صابر وخروفه.. وكانت حكاية لا تنسى..