كان الإمام عليه السلام بارّاً بالمسلمين محسناً إليهم، فما قصده أحد في حاجة إلاّ قام بقضائه، فلا ينصرف منه إلاّ وهو ناعم الفكر مثلوج القلب، وكان عليه السلام يرى أن إدخال الغبطة على الناس وقضاء حوائجهم من أهم أفعال الخير، فلذا لم يتوان قط في إجابة المضطر، ورفع الظلم عن المظلوم، وقد أباح لعلي بن يقطين الدخول في حكومة هارون، وجعل كفّارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان مبرّراً له، وقد فزع إليه جماعة من المنكوبين فكشف آلامهم وملأ قلوبهم رجاءً ورحمة.

ومن هؤلاء الذين أغاثهم الإمام عليه السلام شخص من أهالي الري كانت عليه أموال طائلة لحكومة الري فلم يتمكّن من أدائه، وخاف على نعمته أن تسلب منه، فأخذ يطيل الفكر فيما يعمل، فسأل عن حاكم الري، فأخبر أنّه من الشيعة، فطوى نيّته على السفر إلى الإمام ليستجير به، فسافر إلى المدينة فلمّا انتهى إليها تشرّف بمقابلة الإمام عليه السلام فشكى إليه حاله، فزوده عليه السلام برسالة إلى والي الري جاء فيها بعد البسملة: "اعلم أنّ لله تحت عرشه ظلاً لا يسكنه إلاّ من أسدى إلى أخيه معروف، أو نفّس عنه كربة، أو أدخل على قلبه سرور، وهذا أخوك والسلام".

وأخذ الرسالة، وبعد أدائه لفريضة الحج، اتّجه إلى وطنه، فلمّا وصل، مضى إلى الحاكم ليل، فطرق عليه باب بيته فخرج غلامه، فقال له: من أنت؟
قال: رسول الصابر موسى.
فهرع إلى مولاه فأخبره بذلك، فخرج حافي القدمين مستقبلاً له، فعانقه وقبّل ما بين عينيه، وجعل يكرّر ذلك، ويسأله بلهفة عن حال الإمام عليه السلام، ثمّ إنّه ناوله رسالة الإمام فقبّلها وقام لها تكريم، فلمّا قرأها أحضر أمواله وثيابه فقاسمه في جميعه، وأعطاه قيمة ما لا يقبل القسمة، وهو يقول له: يا أخي هل سررتك؟
فقال له: أي والله وزدت على ذلك.
ثمّ استدعى السجل فشطب على جميع الديون التي عليه، وأعطاه براءة منه، وخرج الرجل وقد طار قلبه فرحاً وسروراً.