قصص عامة

 
 
 

البارُّ الصغير

 
 
 

يستيقظ حامدٌ كلَّ صباحٍ بصعوبةٍ وبعدَ محاولاتٍ عديدةٍ من أمِّه كي يذهبَ للمدرسة.
ما أن يستيقظ حتى يظلَّ يتثاءبُ في كسلٍ وكأنه يعلنُ العصيانَ على الذَّهابِ للمدرسة، فتُحاول أمُّه جاهدةً إقناعَه بالذهابِ فالمدرسةُ بيتُ العلم، وبعد محاولاتٍ عديدةٍ يخرج حامد للمدرسة وهو في حالةِ عدم رضا، ما أن يعودَ من المدرسةِ حتَّى تطلبَ منه أمُّه أن يجلسَ بجوارِها كي تستذكرَ له ما أخذه بالمدرسةِ من دروسٍ، وهنا يعترضُ حامد كالعادة فهو لا يُريد أن يستذكرَ له أحدٌ.
بعدَ العصرِ تطلبُ منه أمُّه الخروجَ لشراءِ بعضِ الخضرواتِ من السُّوقِ فيتعلَّلُ بأنَّه متعبٌ وأنَّه لا يستطيع الذَّهابَ، تضطرُّ الأمُّ المسكينةُ لإرسالِ أخيه الأصغرِ لشراءِ ما تحتاج، وهكذا كان حامد دومًا لا يطيعُ أمَّه في شيءٍ وتتعب كثيرًا كي تجعله يقتنع بما ينفعُه.
ذاتَ يومٍ دخل معلِّمُ التربية الدِّينيَّة للفصل وأخبر التلاميذَ أنَّ حصَّة اليومِ ستكونُ عن طاعةِ الوالدين، بدأ حديثُ المعلِّم يجذب حامد بشدَّةٍ، ما هذه المعلومات التي يسمعها لأوَّل مرَّةٍ، إنَّ طاعةَ الوالدين تأتي بعد طاعة الله مباشرةً.. هل هذا معقول، بدأ حامد ينجذب لحديث المعلم أكثرَ وأكثرَ، المعلم يقول إنَّ دينَنا الحنيفَ يأمرُنا بطاعةِ الوالدين وألَّا نقولَ لهما أفٍّ أبدًا.
شعر حامدٌ بأنَّ معلِّمَ التربية الدينية بدأ يُوقظه من سُباتٍ عميقٍ، إنَّه يقول إنَّ اللهَ في القرآن أوصَى بالوالدين إحسانًا، وأوصى بطاعتِهما والإحسانِ إليهما، شعر حامد أنَّه لم يكن يفعل أيًّا من تلك الوصايا مع أمِّه وأبيه، إنه دائمًا يعصيهما ولا يُنفِّذ ما يطلبانه منه.
بدأ حامد يشعرُ بتأنيب الضمير على كلِّ ما بدر منه في الأيَّام الماضية، وبدأ منذ ذلك اليوم يطبِّق ما سمعه من معلِّمِ التربية الدينية، وما أن عاد للدار حتى أخرج كتبَه وكرَّاساتِه وجلس في أدبٍ على مكتبه وهو يقول: أمِّي الحبيبة.. ألن تستذكري لي دروسي اليومَ؟
أطلَّتِ الدَّهشةُ مِن عينَيْ أمِّه وهي تقول: عجبًا.. كنتُ أحاول معك مرارًا وترفض.
أجابها حامد في حبٍّ: عرفت خطئِي وأحاولُ إصلاحَه.. هل ستذاكرين لي يا أمِّي الغالية؟
أجابته بفرحةٍ: بالطبع.. بكلِّ سرورٍ. وأطلقتْ عليه اسمًا جميلاً يليق به.. أطلقت عليه اسمَ البارِّ.. البارُّ الصَّغيرُ.