أبطال كربلاء

 
 
 

حبيب بن مظاهر الأسدي

 
 
 

وهو مِن أصحاب أمير المؤمنين (ع)، ومِن المؤمنين المخلصين الموقنين بأحقِّية أهل البيت (ع)، ومِن الذين سمعوا أحاديث النَّبي (ص) في نصرة ولد الحسين. فكانت زادًا في درب الأماني للفوز بنصرة أبي عبد الله (ع)، وهُو ممَّن كانوا ينتظرون ذلك اليوم بفارغ الصبر، وممَّن كانوا يَعدُّون أنفسهم لذلك اليوم العظيم.

مرّ ميثم التَّمار (رض) وهو على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر في مجلس بني أسد، فقال حبيبٌ: "كأنِّي بشيخٍ ضخمِ البطن يبيع البَّطيخ عند باب الرزق، وقد صلب في حب أهل بيت نبيه (عليهم السلام)" -يقصد ميثما-، فأجابه ميثم قائلاً: "وإني لأعرف رجلاً احمرَّ له ضفيرتان ينصر ابن بنت نبيه (ع) فيُقتل فيُجال برأسه في الكوفة ثم افترقا. فقال أهل المجلس: "ما رأينا أحدًا أكذب من هَذين، وبينما هم كذلك حتَّى أقبَلَ رشيدٌ الهجرِيّ رحمه الله قال عنهما فقالوا: "سمعناهما يقولان كذا وكذا"، فقال رشيد: "رحم الله ميثمًا فقدني أن يقول ويزاد في عطاء حامل رأس حبيب مائة درهم، ثم ذهب رشيد فقال القوم وهذا أكذب الثلاثة".

ومرَّت الأيام والليالي وإذا بالقَوم أنفسهم يقولون: "رأينا ميثما مصلوبًا على باب عمرو بن حريث، وجيء برأس حبيب مع الرؤوس وطِيف بِهِ في أزقَّة الكُوفة، ورأينا كل الذي أَخبروا به".

وكان حبيب بن مظاهر الأسدي رجلاً فاضلاً يَختِم القرآن في ليلةٍ واحده، وكان من اليقين على درجة عالية، فقد استقبل الرِّماح بصدره والسيوف بنحره، وكأَنَّهُ جبلٌ مِن حديد يدافع عن ذرية رسول الله وحرَمِ الرِّسالة.

خَرَجَ حبيبٌ من خيمته ليلة عاشوراء يضحك، فقال له يزيد الهمداني: "يا أخي ليست هذه بساعة ضحك"، فقال حبيب: "فأيُّ موضعٍ أحقُّ من هذا بالسرور، والله ما هو إلا أن يَميلَ علينا هؤلاء بأسيافهم ونميلَ عليهم بأسيافنا ونعانق الحُور العين".

ولمَّا برز للقتال يوم عاشوراء، قتل على كبر سنة -وقد تجاوز السبعين من العمر - اثنين وستين رجلاً، إلى إن استشهد رضوان الله عليه، فهدَّ مقتله الحسين (ع) واسترجع كثيرًا وقال (ع): "عند الله أحتسب نفسي وحُماة أصحابي".